الثورة الصناعية الرابعة والمجتمع
نظرًا للتطور السريع في تقنيات الاتصالات والمعلومات (ICT) ، فإننا تعيش اليوم في عالم رقمي مترابط واصبح وقت الوصول إلى المعلومات تقريبا لحظي، كما اصبح ضرورة أن نتعامل مع مجموعة من القضايا المجتمعية المشتركة على المستوى الدولي ، مثل حماية البيئة وتحسين الصحة ومكافحة الفقر وسرعة تأهيل الكفاءات المناسبة بالتكامل بين جميع الأطراف أصحاب المصلحة. كذلك أصبحت الشركات مطالبة بتبني نهج أكثر شفافية ومسؤولية تهدف إلى الإنجاز الشامل للنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والإنصاف والاحترام والوعي. هذه البيئة ضغطت على الصناعة للاستجابة لهذه التحديات والمخاطر مع الاستفادة من المستجدات والفرص المتاحة.
ويشهد العالم حاليا مرحلة الثورة الصناعية الرابعة والتي تعتمد على رقمنه التصنيع عبر منظومات رقمية متصلة بين البشر وماكينات التشغيل والروبوتات وسلاسل الامداد تتفاعل وتعمل معًا وتعزز مشاركة المعلومات وتحليلها بتقنيات الذكاء الاصطناعي على طول سلاسل القيمة الكاملة للإمداد والتسويق وبأكبر تغطية. الهدف هو أن الشركات من خلال التنفيذ الفعال للثورة الصناعية الرابعة, تعمل على تحسين وضعها التنافسي بشكل كبير، وزيادة خلق القيمة وتقليل المخاطر، مع اعتماد أنظمة إنتاج أكثر كفاءة وأسرع وتقنيات مبتكرة. من بين الفوائد الرئيسية المتوقعة تحقيق مدد دورات عمليات أقصر، وأوقات تسليم أسرع، ووقت أسرع لتسويق المنتجات والخدمات الجديدة، وتحسين الجودة، وتخصيص المنتج / الخدمة بشكل فردي لكل مستهلك، مع إشراك المستهلك بطريقة أكثر استباقية وكثافة. وكذلك إنشاء نماذج أعمال غير نمطية.
تحقيق مجتمع الثورة الصناعية الرابعة
في مجتمع المعلومات (الثورة الصناعية الثالثة)، لم يكن تبادل المعرفة والمعلومات عبر القطاعات كافياً وكان التعاون صعباً وكذلك كان القدرات التحليلية ودعم القرار البشرية محدودة. في المجتمع الثورة الصناعية الرابعة (مجتمع الجيل الخامس)، تتراكم كمية هائلة من المعلومات من أجهزة الاستشعار في الفضاء المادي وفي الفضاء الرقمي، يتم تحليل هذه البيانات الضخمة بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI) ، ويتم تغذية نتائج التحليل ودعم القرار للبشر في الفضاء المادي بأشكال مختلفة لتحقيق قيمة جديدة على الصناعة وتحقيق مجتمع متكامل ومتفاعل ومرن واكثر تنافسية ورفاهية بطريقة لم تكن ممكنه من قبل.
ومع ذلك، لا تزال الصناعة 4.0 في مراحلها الأولى بالنسبة لمعظم الشركات، وسيتطلب التحول الرقمي قيادة قوية تؤمن بما يمكن ان يتحقق من طفرة ومن عائد على الاستثمار في هذا التحول وفي استخدام كفاءات بشرية مناسبة وتحقيق تطوير مؤسسي يتناسب مع ذلك وتنفيذ ذلك بنجاح على مراحل مخططة بدقة لتعظيم العائد وتبني التغيير النوعي والاستفادة من النجاحات في مزيد من النضج والتنافسية.
مصر لديها فرصة رائعة في تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وخاصة مع توجه الدولة نحو دعم التطوير النوعي للصناعة وجعلها المحرك الرئيسي لاقتصاد مصر واستخدام أحدث التكنولوجيا وتبني استراتيجية الذكاء الاصطناعي والشمول المالي والتوجه نحو الاقتصاد الرقمي وبناء القدرات والكفاءات في هذه المجالات. كما ان ما تم إنجازه في مجال البنية التحتية الرقمية في الأعوام الأخيرة حقق طفرة كبيرة طبقا للمؤشرات الدولية ومكن الدولة بكل قطاعاتها من استخدام هذه البنية في التعليم والصحة والاقتصاد خلال ازمة وباء كورونا ١٩ بدون اعطال تذكر. وتكتمل الفرصة بإمكانية بناء صناعة رقمية واعدة في مصر تخدم رقمنه الصناعة والتكامل بين المنظومة الرقمية ومنظومات التشغيل والتفاعل البشري وبناء حلول التحليل الكمي للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي الداعم لاتخاذ القرار.
والحقيقة ان ما بين الاحتياج الواضح لرقمنة الصناعة وما تحققه من عوائد مرتفعة على هذا النوع من الاستثمار وما بين إمكانية بناء قدرات بشرية وصناعة رقمية تخدم هذا الاحتياج والتوجه الاستراتيجي للدولة وتحقيق التنافسية العالمية للصناعة المصرية والرفاهية المطلوبة لمجتمع الجيل الخامس الفرصة الان اكثر من أي وقت مضى للريادة في هذا المجال.
من المتوقع أن تكون الصناعة 4.0 مصدرًا لخلق قيمة عظيمة اقتصاديًا وبيئيًا واجتماعيًا، ومع ذلك، هناك بعض الخطوات المطلوبة لتحفيز وتنظيم هذا التوجه على مستوى الدولة،
-
الحاجة إلى تحفير وتنفيذ استثمارات مدروسة في الأتمتة والصناعات الرقمية ومشاريع التحول الرقمي لخطوط الإنتاج والزراعة الذكية والمرافق الذكية؛
-
اعتماد نماذج أعمال تكاملية جديدة تشمل شركاء محتملين مثل مزودي خدمات الاتصالات والإنترنت وكذلك مصنعي الالكترونيات والميكاترونيك وصناديق الاستثمار وبعض شركات ريادة الاعمال؛
-
وضع سياسات أكثر تطورا ومعيارية والية تنظيمية فيما يخص الملكية والسرية والأمن والتداول لكمية كبيرة من البيانات التي يتم جمعها ويحتاج أن يتم التوعية بها وتوضيحها وتأكيدها، لضمان الثقة وحماية البيانات؛